فصل: المعنى الإجمالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والأخرى: أن تكون السياحة للاعتبار والتأمل في آيات الله في كونه، فبالتنقل والسير في الأرض أرى آيات ليست موجودة في بيئتي، وفي ذلك يقول تعالى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق ثُمَّ الله يُنشِىءُ النشأة الآخرة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20] ويقول سبحانه في موضع آخر: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض ثُمَّ انظروا} [الأنعام: 11].
والمعنى أن السَّيْر في الأرض لابتغاء الرزق ينبغي أنْ يصاحبه نظر وتأمُّل لآيات الله.
ثم يقول سبحانه: {وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلكم كَانَ يُؤْذِي النبي فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ والله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحق} [الأحزاب: 53] أي: لا ينبغي أنْ تجلسوا بعد الطعام للحديث، وتجعلوها سهراية في بيت رسول الله، وهذا النهي كان له سبب وحادثة وقعتْ، فنزلت هذه الآية.
سيدنا رسول الله لم يُؤلِم وليمة في عُرْس من أعراسه إلا لزينب بنت جحش، فذبح صلى الله عليه وسلم شاة، وأعدَّ لهم الحَيْس، وهو التمر المخلوط بالزبد والسمن، ثم يوضع عليه اللبن الحامض أو الرايب.
فلما أكل الناس جلسوا يتحدثون، انتظر رسول الله أنْ يقوموا وينصرفوا، فلم يَقُمْ منهم أحد، وحياؤه صلى الله عليه وسلم يمنعه أنْ يقول لهم: قوموا، فأراد صلى الله عليه وسلم أنْ يُظهِر لهم أنه يريد أنْ يقوم، وقام فعلًا وخرج، فلم يقُم منهم أحد ووجدَ صلى الله عليه وسلم آخرين جالسين بالخارج، فعاد إلى مجلسه، فشعر القوم بما يريده رسول الله فانصرفوا.
يقول سيدنا أنس: فجئتُ فأخبرتُ رسول الله أنهم انطلقوا، فجاء صلى الله عليه وسلم ودخل، فذهبت لأدخل وراءه، فألقى الحجاب بيني وبينه- يعني: لا أحد يدخل حتى أنت.
ومعنى: {إِنَّ ذلكم كَانَ يُؤْذِي النبي فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ} [الأحزاب: 53] لأنه صلى الله عليه وسلم يريد أنْ تنصرفوا، لكن يمنعه حياؤه، وهذا لأن المكان ضيِّق، ورسول الله في يوم عُرْس، وليس من المناسب الجلوس عنده.
{والله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحق} [الأحزاب: 53] لذلك قالوا: حَسْب الثقلاء أن الله لم يحتملهم. هكذا حدثتنا الآية في صدرها عن: آداب الدخول، وآداب الاستئذان، وآداب الأكل، وآداب الجلوس عند رسول الله.
ثم تحدَّثنا بعد ذلك عن الآداب التي يجب أنْ يتحلَّى بها المؤمنون في علاقتهم بزوجاته صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فاسألوهن مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
المتاع: أواني البيت التي لا تتيسَّر للجميع، فعادة ما يكون في الشارع أو الحارة بيت أو بيتان مَسْتوران، عندهم مثل هذه الأشياء: ماجور العجين، أو المنخل، أو الغربال، أو الهون.. إلخ.
ومثل هذه الأشياء عادة لا تتوفر للفقير، فيذهب إلى جاره فيستعيرها منه، وهذا ما قال الله فيه: {أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الذين هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الماعون} [الماعون: 1-7].
فالمتاع هو الماعون، وهو أدوات البيت التي يستعيرها منك جارك غير القادر على توفيرها في بيته.
إذن: الحق سبحانه في حين جعل للمؤمنين أدبًا خاصًا مع رسول الله في الدخول عليه أو الأكل في بيته والجلوس عنده، لم يمنع الانتفاع بما عنده صلى الله عليه وسلم من متاع البيت، ومتاع البيت يُطلَب بأنْ تطرق الباب على أهله تقول: أعطونا كذا وكذا، وعادة ما تُسْأل المرأة لأنها ربةُ البيت والمسئولة عن هذا المتاع، فإذا طلبتُم شيئًا من زوجات النبي فاطلبوه من وراء حجاب {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
سبق أنْ قُلْنا: إن المشاعر والإدراكات والمواجيد والعقائد التي تستقرُّ في النفس، هذه المظاهر الشعورية تتكون على مراحل ثلاث: آلة تدرك، ووجدان يستقبل، إما بالمحبة، وأما بالكراهية، ثم نفس تنزع، ومثَّلْنا لذلك بالوردة تراها في البستان جميلة نضرة، وتشُمُّ رائحتها زكية عطرة، فهذا إدراك بحاسة البصر وحاسة الشم، نتج عنه إعجاب ومواجيد، يترتب عليها أنْ تمدَّ يدك لتقطفها، وهذا هو النزوع.
والشرع لا يتدخل، لا في الإدراك، ولا في الوجدان، إنما يتدخل في النزوع، فَلَك أنْ ترى جمال الودرة كما تشاء، ولك أنْ تشمَّ عبيرها، لكن إن امتدَّتْ يدُكَ إليها قُلْنا لك: قف: أَهِي حَقٌّ لك؟ إنْ كانت حقك فَخُذْهَا، وإلا فهي مُحرَّمة عليك لأنها ليَستْ مِلْكك، وليس في هذا حَجْرًا على حريتك؛ لأن الذي قيَّد حريتك في الاعتداء على مال الغير قيَّد حرية الآخرين في الاعتداء عليك، فأعطاك قبل أنْ يأخذ منك إذن: فالشرع في صالحك أنت.
نقول: الشرع لا يتدخل إلا عند مرحلة النزوع، إلا في علاقة الرجل بالمرأة والنظر إلى جمالها، فإنه يتدخل فيها من بدايتها، فيحظر عليك مجرد الإدراك، لأنك حين ترى جمال المرأة، وربما كانت أجمل من امرأتك أو لم يسبق لك الزواج، فإنك تُعجب بها.
وهذا الإعجاب لابد أنْ يدعوك إلى النزوع، فكيف تنزع في هذه الحالة؟ والنزوع في هذه المسألة له شروط: أولها أنْ تأتيه من باب الحلال، فإنْ لم تكُنْ قادرًا على باب الحلال، فإما أنْ تعفَّ نفسك، وإما أنْ تعربد في أعراض الآخرين، لذلك تدخَّل الشرع في هذه المسألة من أولها، ولم يتركك حتى تقع في المحظور وتنزع فيما لا يحلُّ لك؛ لأن المرأة الجميلة لا شكَّ تهيج في الرجل معاني خاصة.
وفي ذلك يقول الشاعر:
سُبْحانَ مَنْ خَلَق الجَماَ ** لَ والانْهِزَام لِسَطْوتِهِ

وَلَذَاكَ يأمْرنَا بغَضِّ الطَّرْف عنه لَرحمتِهِ من شاء يطْلبه فلا إلاّ بطُهْر شريعتِه وبذَا يدُوم له التمتُّع هَاهُنَا وبجنَّتِهِ.
أما الذي يدَّعي أن نظره إلى جمال المرأة لا يترك فيه هذا الأثر فهو مخالف للطبيعة، حتى وإنْ كان متزوجًا، وإياك أنْ تظن أن امرأة تُغني بجمالها عن جمال في سواها؛ لذلك يقولون: النساء كالخمر، كل مليحة بمذاق، فمهما كانت زوجتك جميلة، وفيها كل المواصفات التي تعجبك فسوف تجد في غيرها الجديد مما ليس فيها. إذن: من رحمة الله بك أنْ لا تدخل في هذه المسألة من أول مراحلها، فحرَّم مجرد النظر.
وإذا كان هذا في المعنى العام للناس، فكيف يكون مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى مخاطبًا المؤمنين {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} [الأحزاب: 53] أي بالنظر إلى زوجاته؛ لأن النظر إدراك يتبعه أنْ تجد في نفسك شيئًا، صحيح أنت لا تستطيع أنْ تُقدِم؛ لأنهن أمهات المؤمنين، إنما سينشغل قلبك، ومجرد خواطر القلب هنا إيذاء لسيدنا رسول الله، بدليل أنه قال بعدها: {وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ} [الأحزاب: 53].
ورُوِي أن رجلاص رأى السيدة عائشة قبل الحجاب فانبهر بها، فقال: والله إنْ مات رسول الله لأتزوجنَّ هذه الحميراء، وإنْ كان كفَّر عن هذه القَوْلة وحَجَّ ماشيًا، وأعتق الرقاب، ليغفر الله له هذه الجرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمعنى {ذلكم} [الأحزاب: 53] أي: أمرنا بأنْ تسألوهنَّ من وراء حجاب، وهذا الأمر احتياط للطرفين {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] لقلوبكم أولًا، ولقلوبهن ثانيًا.
وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} [الأحزاب: 53] أي: لا ينبغي ولا يكون، وهذا يعني أنَّ شيئًا لم يحدث، بل مجرد الخاطر يُعَدُّ إيذاءً؛ لأنه في حق مَنْ؟ في حق رسول الله.
وقوله: {وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] هذا تكريم لرسول الله ولأزواجه ليس في مدة حياته فحَسْب، إنما حتى بعد مماته؛ لأنهُنَّ أمهات للمؤمنين، وليس لأحد أنْ يتزوج منهن بعد رسول الله.
ومعلوم أن للزوجة بالنسبة لزوجها خصوصية، فعادةً في طبيعة التكوين الإنساني ترى الرجل عنده ألوان من الخير، فإنْ كان صاحب أريحية لا يمنعك شيئًا تتطلبه أو تستعيره منه، يعطيك من ماله، من متاع بيته، يعيرك سيارته.. إلخ.
إلا ما يتعلق بالمرأة، فإنه يغار حتى من مجرد أنْ تنظر إليها، ليس ذلك وهي في حوزته ومِلْكه، إنما حتى لو كان كارهًا لها، حتى لو طلقها يغار عليها أن تتزوج بآخر.
إذن المرأة هي المتاع الوحيد الذي يحتل هذه المنزلة، وينال هذا الحفظ وهذه الرعاية، لماذا؟ لأنها وعاء النَّسْل، وكأن الله تعالى يريد للأمة كثرة النسل شريطة أنْ يكون من طُهْر وعِفَّة ونقاء، فوضع في قلب الرجل حُبَّها والغيرة عليها.
لذلك، تأمل هذا الوصف الذي وصف الله به الأنصار لما استقبلوا المهاجرين، وأفسحوا لهم في أملاكهم وفي بيوتهم، فوصفهم الله وصفًا أرقى ما يُوصف به مكان في مكين.
فقال سبحانه: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان} [الحشر: 9] فكأنهم يسكنون في الإيمان {مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
وما استحق الأنصارُ هذا الوصفَ من الحق سبحانه إلا لإيثارهم إخوانهم المهاجرين وبَذْل شيء لم يبذله أحد قبلهم، حيث كان الواحد منهم يعرض على أخيه المهاجر أنْ يُطلِّق له إحدى زوجاته ليتزوجها، وهذه هي المسألة التي تثبت أن إيمانَ هؤلاء طغي على كل ما عداه، وصار أحبَّ شيء إليهم حتى من المرأة، ومن الغيرة عليها.
وقوله تعالى: {إِنَّ ذلكم} [الأحزاب: 53] أي: ما سبق أنْ ذُكِر من سؤال أمهات المؤمنين من وراء حجاب، وألاَّ تؤذوا رسول الله، أو تنكحوا أزواجه من بعده، كل هذا {كَانَ عِندَ الله عَظِيمًا} [الأحزاب: 53] وكيف يُؤْذَي رسولُ الله، وهو ما جاء إلا ليحمينا من الإيذاء في الدنيا في الآخرة. اهـ.

.قال الصابوني:

{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه}.
من آداب الوليمة:

.التحليل اللفظي:

{يؤذن لكم} أي تدعوا إلى تناول الطعام، والأصل أن يتعدى ب في تقول: أذنت لك في الدخول، ولا تقول أذنت لك إلى الدخول، ولكن اللفظ لما ضمن معنى الدعوة عدي ب إلى بدل في ومعنى الآية: لا تدخلوا بيوت النبي إلا إذا دعيتم إلى تناول الطعام.
قال الزمخشري: {إلا أن يؤذن} في معنى الظرف تقديره: وقت أن يؤذن لكم.
{ناظرين إناه} أي متظرين نصجه، قال في اللسان: وإنى الشيء: بلوغه وإدراكه، وفي التنزيل: {غير ناظرين إناه} أي غير منتظرين نضجه وإدراكه وبلوغه، تقول: أنى يأني إذا نضج إنى أي نضجا، والإنى بكسر الهمزة والقصر: النضج. فهو على هذا مصدر مضاف إلى الضمير.
ويرى بعض المفسرين أنه ظرف بمعنى حين وهو مقلوب أن بمعنى حان فعلى الأول يكون المعنى: غير منتظرين نضجه، وعلى الثاني يكون المعنى: غير منتظرين وقته أي وقت إدراكه ونضجه، وهما متقاربان.
{فانتشروا} أي اخرجوا وفترقوا، يقال انتشر القوم: أي تفرقوا ومنه قوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] أي تفرقوا في الأرض لطلب الرزق والكسب.
{مستأنسين لحديث} معنى الاستئناس: طلب الأنس بالحديث لأن السين والتاء للطلب تقول استأنس بالحديث: أي طلب الأنس والطمأنينة والسرور به. وتقول: ما بالدار أنيس، أي ليس بها أحد يؤانسك أو يسليك، وقد كان من عادة الناس أنهم يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا، ويأنسون بحديث بعضهم بعضا فعلمهم الله الأدب، وهو أن يتفرقوا بعد تناول الطعام، ولا يثقلوا على أهل البيت، لأن المكث بعده فيه نوع من الإثقال.
{إن ذلكم} اسم الإشارة راجع إلى الدخول بغير إذن، والمكث عقب الطعام للاستئناس بالحديث، وقيل: هو راجع إلى الأخير خاصة، ومعنى الآية: إن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي.
{فيستحيي منكم} أي يستحي من إخراجكم من بيته، والله لا يستحي من بيان الحق فهو على حذف مضاف.
{متاعا} المتاع: الغرض والحاجة كالماعون وغيره، وهو في اللغة: ما يستمتع به حسيا كان كالثوب والقدر والماعون، أو معنويا كمعرفة الأحكام الشرعية والسؤال عنها، وقد يأتي المتاع بمعنى التمتع بالشيء والانتفاع به كما قال تعالى: {وما الحياة الدنيآ إلا متاع الغرور} [الحديد: 20] وفي الحديث الشريف: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة».
{حجاب} أي ساتر يستره عن النظر، قال في اللسان: حجب الشيء يحجبه أي ستره، وقد احتجب وتحجب إذا اكتن من وراء حجاب، وامرأة محجوبة قد سترت بستر، والحجاب: اسم ما احتجب به، وكل ما حال بين شيئين فهو حجاب. قال تعالى: {بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5].
ومعنى الآية: إذا سألتموهن شيئا مما يستمتع به وينتفع فاسألوهن من وراء ستر وحجاب.
{أطهر} أي أسلم وأنقى، أفعل تفضيل من الطهارة بمعنى النزاهة والنقاء، والمعنى: سؤالكم للنساء من وراء حجاب أكثر نقاء وتنزيها لقلوبكم وقلوبهن من الهواجس والخواطر التي تتولد فيها عند اختلاط الرجال بالنساء، وأبعد عن الريبة وسوء الظن.

.المعنى الإجمالي:

أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يتأدبوا بالآداب الإسلامية الكريمة، ويتمسكوا بما شرعه لهم من التوجيهات والإرشادات الحكيمة، التي بها صلاح دينهم ودنياهم وخاصة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمقام النبوة لا يعادله مقام، وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم- سواء كان بالقول أو الفعل- منأعظم الكبائر عند الله، وقد ألزمنا الله سبحانه بتلك الآداب الفاضلة، وأمرنا بالتمسك بها، حتى يتحقق المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة أمرين هامين:
الأول: الأدب في أمر الطعام والاستئذان ودخول البيوت أدب الوليمة.
الثاني: الأدب في مخاطبة النساء، وعدم الاختلاط بهن أو الخلوة أدب الحجاب الشرعي.
يقول الله جل ثناؤه ما معناه: اي أيها المؤمنون لا تدخلوا بيوت النبي إلا بعد الإذن، ولا تترقبوا أوقات الطعام فتدخلوا عليه فيها، أو تنتظروا أن يحين وقت نضج الطعام فتستأذنوا عليه في الدخول، إلا إذا كنتم مدعوين إلى وليمة قد أعدها لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك إذا دعيتم وطعمتم فاخرجوا وتفرقوا ولا تثقلوا على الرسول الكريم بالجلوس بعد الطعام، فإن حياءه يمنعه أنيأمركم بالانصراف، أو يظهر لكم الامتعاض من جلوسكم في بيته، فهو ذو الخلق الرفيع، والقلب الرحيم، لا يصدر منه إلا ما يسركم، فلا يليق بكم أن تثقلوا عليه، أو تؤذوه في نفسه أو أهله، وإذا أردتم حاجة من أزواجه الطاهرات، فاسألوهن من وراء حاجز وحجاب، لأن ذلك أزكى لقلوبكم وقلوبهن، وأنفى للريبة، وأبعد عن التهمة، وأطهر لبيت النبوة.
ولا يليق بكم أيها المؤمنون أن تؤذوا رسولكم، الذي هداكم الله به وأخرجكم من الظلمات إلى النور، فهو كالوالد لكم، وأزواجه كالأمهات لكم، وهل يصح لمؤمن أن يتزوج أمه؟ فلا تؤذوه في حياته ولا بعد مماته، ولا تتزوجوا بأزواجه من بعده أبدا، فإن إيذاء الرسول، ونكاح أزواجه من بعد وفاته، ذنب عظيم عند الله لا يغفره الله لكم أبدا، وهو عند الله بالغ الذنب والعقوبة.